وإذا انحرف الناس عن التوحيد والإيمان أغواهم الشيطان، وزين لهم ما انحرفوا إليه، فصار وليهم الذي يشرف عليهم ويصرفهم.
ولما ضل أهل الجاهلية عن التوحيد وانحرفوا عنه .. وضل أهل الكتاب عما جاءهم من العلم .. وانحرفوا وبدلوا وكتموا .. واختلفوا في دينهم .. أرسل الله رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - لينقذ البشرية من الشرك والكفر .. ويبين لهم الحق من الباطل .. ويفصل فيما وقع بينهم من خلاف في عقائدهم وكتبهم .. وليكون هدى ورحمة لمن يؤمنون به: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)} [النحل: ٦٣،٦٤].
فوظيفة الكتاب الأخير والرسالة الأخيرة هي الفصل فيما شجر من خلاف بين أصحاب الكتب السابقة وطوائفهم، إذ الأصل هو التوحيد، وعبادة الله وحده لا شريك له.
وكل ما طرأ على التوحيد من شبهات، وكل ما شابه من شرك في صورة من الصور، كله باطل جاء القرآن ليجلوه وينفيه، وليكون هدى ورحمة لمن استعدت قلوبهم للإيمان وتفتحت لتلقيه.
والهداية إلى الإيمان فضل من الله تبارك وتعالى يمن به على من يعلم أنه يشكر عليه ويقوم بحقه كما قال سبحانه: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)} [الحجرات: ١٧].
وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين كما قال سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)} [السجدة: ٢٤].
فهؤلاء علماء بالشرع وطرق الهداية، مهتدون في أنفسهم، يهدون غيرهم بذلك الهدى، فهم في أرفع الدرجات بعد درجة النبوة والرسالة وهي درجة