وإنما نالوا هذه الدرجة العالية بالصبر على التعلم والتعليم، والدعوة إلى الله، والأذى في سبيله، وكف النفس عن المعاصي والاسترسال في الشهوات.
ووصلوا في الإيمان إلى درجة اليقين، وهو العلم التام الموجب للعمل، وإنما وصلوا إلى اليقين؛ لأنهم تعلموا علماً صحيحاً، وأخذوا المسائل من أدلتها المفيدة لليقين.
والهدى فضل من الله على عبده، فمن اهتدى بهدي الله بأن علم الحق وتفهمه وآثره على غيره فلنفسه، والله تعالى غني عن عباده، ومن ضل عن الهدى فإن أعرض عن العلم بالحق أو عن العمل به، فإنما يضل على نفسه، ولا يضر الله شيئاً كما قال سبحانه: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨)} [يونس: ١٠٨].
والله عزَّ وجلَّ هو الهادي، وهداه في كتابه المنزل، الذي لا طريق يوصل إلى الله إلا منه؛ لأنه لا طريق يوصل إليه إلا توفيقه، والتوفيق منه للإقبال على كتابه، فإذا لم يحصل هذا فلا سبيل إلى الهدى كما قال سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣)} [الزمر: ٢٣].
والله سبحانه كما يمد الظالمين في ضلالهم، ويزيدهم حباً للضلالة عقوبة لهم على اختيارهم على الهدى كما قال سبحانه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥)} [الصف: ٥].
كذلك يزيد الله المهتدين هداية من فضله عليهم ورحمته، والهدى يشمل العلم النافع والعمل الصالح، فكل من سلك طريقاً في العلم والإيمان والعمل الصالح زاده الله منه، وسهله عليه، ويسره له، ووهب له أموراً أخر لا تدخل