ولما تحملوا الخوف والمرض والجوع من أجل إعلاء كلمة الله ونشر دينه أعاضهم الله بالأمن التام في الدنيا والآخرة، فسارت الضعينة من العراق إلى اليمن لا تخاف إلا الله، وهداهم الله إلى ما ينفعهم كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢)} [الأنعام: ٨٢].
وكل ما يجري في هذا الكون واقع بمشيئة الله وإرادته وإذنه، فما شاء الله كان مهما كان، وما لم يشأ لم يكن مهما يكن.
وإرادة الله تبارك وتعالى تنقسم إلى أربعة أقسام:
الأول: ما تعلقت به الإرادتان الكونية والشرعية، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة، فإن الله أراده إرادة دين وشرع، فأمر به وأحبه ورضيه، وأراده إرادة كون فوقع، ولولا ذلك لما كان.
الثاني: ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فأطاع ذلك الأمر المؤمنون، وعصى ذلك الأمر الكفار والفجار.
فهذه الإرادة يحبها الله ويرضاها، وقعت أو لم تقع، وهذه قد يقع مرادها وقد لا يقع.
الثالث: ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدره الله وشاءه من الحوادث والأحوال التي لم يأمر بها كالمباحات والمعاصي، فإنه لم يأمر بها ولم يحبها، ولولا مشيئة الله وقدرته وخلقه لها لما كانت، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
الرابع: ما لم تتعلق به هذه الإرادة ولا هذه الإرادة، فهذا ما لم يكن ولم يقع من أنواع المباحات والمعاصي.
والمؤمن يبتلى على قدر ما يحمله إيمانه من وارد البلاء.
والبلاء الذي يصيب المؤمن نوعان:
أحدهما: بلاء بمخالفة دواعي النفس والطبع كالصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، وهذا من أشد البلاء، فإنه لا يصبر عليه إلا الأنبياء والصديقون،