للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنهم لما عزموا ألا يعصوه، ثم عصوه بمشيئته وقدرته، عرفوا بذلك عظيم قدرته، وجميل ستره إياهم وكريم حلمه عنهم، وسنة مغفرته لهم، فدعوه فأجابهم وتاب عليهم.

فلما تابوا إليه واستغفروه عرفهم رحمته وسعة مغفرته، وأشهدهم حمده العظيم، وبره العميم، وكرمه في أن خلى بينهم وبين المعصية فنالوها بنعمته وإعانته، ثم لم يخل بينهم وبين ما توجبه من الهلاك والفساد، بل تداركهم بالدواء الثاني الشافي فرحمهم، وجعل تلك الآثار التي توجبها المعصية من المحن والبلاء والشدائد رحمة لهم، وسبباً إلى علو درجاتهم، ونيل الزلفى والكرامة عنده سبحانه.

فأشهدهم العزيز الحكيم بالجناية عزة الربوبية وذل العبودية، ورقاهم بآثارها إلى منازل قربه ونيل كرامته.

والله تبارك وتعالى أرحم بعباده من أنفسهم وأعلم بما يصلحهم، وهو الذي يربيهم بما ينفعهم، فمتى مال قلب العبد إلى ما سوى الله جعل الله ذلك الشيء منشأ للآفات، فحينئذ ينصرف وجه القلب عن المخلوق إلى الخالق، وفي ذلك سعادته ونجاته وفلاحه.

فآدم - صلى الله عليه وسلم - لما تعلق قلبه بالجنة جعلها الله محنة عليه حتى زالت الجنة، فبقي آدم مع ذكر الله سبحانه.

ولما استأنس يعقوب - صلى الله عليه وسلم - بيوسف - صلى الله عليه وسلم - أوقع الفراق بينهما، حتى بقي يعقوب مع ذكر الحق سبحانه.

ولما طمع محمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل مكة في النصرة والإعانة صاروا من أشد الناس عليه، فما أوذي نبي مثل ما أوذي، حتى صار اعتماده وتوكله باليقين على ربه وحده، ولم يلتفت إلى ما سواه.

والله تبارك وتعالى خلق السموات والأرض ليبتلي عباده بأمره ونهيه، وهذا الحق الذي خلق به خلقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>