للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتركهم سدى، لا يرسل إليهم رسولاً، ولا ينزل عليهم كتاباً، ولا يعجز سبحانه مع ذلك أن يخلقهم بعد ما أماتهم خلقاً جديداً، ويبعثهم إلى دار يوفيهم فيها أعمالهم من خير أو شر.

فكيف يطمع هؤلاء الكفار في دخول الجنة وهم يكذبون الله، ويكذبون رسله، ويعدلون به خلقه، وهم يعلمون من أي شيء خلقهم؟.

وسبب الخذلان لهم عدم صلاحية المحل وأهليته، وعدم قبوله للنعمة، بحيث لو وافته النعم لقال هذا لي، وإنما أوتيته لأني أهله ومستحقه، كما قال سبحانه عن قارون حين: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)} [القصص: ٧٨].

وسليمان - صلى الله عليه وسلم - رأى ما أوتيه من الملك من فضل الله عليه ومنته كما قال سبحانه: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠)} [النمل: ٤٠].

أما قارون فرأى ذلك من نفسه واستحقاقه وأنه أهله وحقيق به، وإذا علم الله هذا من قلب العبد فذلك من أعظم أسباب خذلانه وتخليه عنه، فإن محله لا تناسبه النعمة المطلقة التامة.

فأسباب الخذلان من النفس .. وأسباب التوفيق مِن جَعْل الله لها قابلة للنعمة، فأسباب التوفيق منه ومن فضله .. وهو الخالق لهذه وهذه .. كما خلق أجزاء الأرض هذه قابلة للنبات .. وهذه غير قابلة له .. وخلق الشجر هذه تقبل الثمرة .. وهذه لا تقبلها.

وخلق الأرواح الطيبة قابلة لذكره وشكره، وإجلاله وتعظيمه، وتوحيده ونصح عباده .. وخلق الأرواح الخبيثة غير قابلة لذلك، بل لضده، وهو الحكيم العليم.

والإنسان لا يصل إلى أسمى الغايات وأكمل النهايات إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وهذا الجسر لكماله يشبه الجسر الذي لا سبيل إلى دخول الجنة إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>