للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعبوره.

وكم لله من نعمة ورحمة ومنحة فيما يبتلي به عباده، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه رحمة ونعمة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنَّة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان.

فتأمل حال أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم -، وما آلت إليه محنته من الاصطفاء والاجتباء، والتوبة والهداية، ورفعة المنزلة، فلولا تلك المحنة التي جرت عليه، وهي إخراجه من الجنة وتوابع ذلك، لما وصل إلى ما وصل إليه من التكريم، وبعث الأنبياء والرسل والمؤمنين والمجاهدين من نسله.

وتأمل حال أبينا الثاني نوح - صلى الله عليه وسلم -، وما آلت إليه محنته وصبره على قومه تلك القرون كلها، حتى أقر الله عينه، وأغرق أهل الأرض من الكفار بدعوته، وجعل العالم من بعده كلهم من ذريته، وجعله من أولي العزم الذين هم أفضل الرسل.

ثم تأمل حال أبينا الثالث إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - إمام الحنفاء، وأبو الأنبياء، وخليل رب العالمين، لما بذل نفسه وما يملك لله ونصرة دينه اتخذه الله خليلاً لنفسه، وأمر سيد الأنبياء والرسل محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يتبع ملته.

وجازاه سبحانه على تسليمه ولده لأمر الله أن بارك في نسله، وكثَّره حتى ملأ السهل والجبل.

فالله سبحانه جواد كريم من ترك لوجهه أمراً أو فعله لوجهه بذل الله له أضعاف ما تركه من ذلك الأمر أضعافاً مضاعفة، وجازاه بأضعاف ما فعله لأجله أضعافاً مضاعفة.

فلما أمر الله إبراهيم بذبح ولده فبادر لأمر الله، ووافق عليه الولد أباه، وكلاهما رضي وسلم لأمر لله، وعلم الله منهما الصدق والوفاء، فداه بذبح عظيم، وأعطاهما الملك والنبوة، وبارك في نسلهما حتى ملؤوا الأرض.

وجعل من نسلهما هاتين الأمتين العظيمتين: (بنو إسرائيل) .. و (بنو إسماعيل).

مع ما أكرمه الله به من رفع ذكره، والثناء الجميل عليه على ألسنة جميع الرسل

<<  <  ج: ص:  >  >>