للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأمم من بعده، وفي السموات بين الملائكة: {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١)} [الصافات: ١٠٩ - ١١١].

ثم تأمل حال الكليم موسى - صلى الله عليه وسلم -، وما آلت إليه محنته وفتونه من أول ولادته إلى منتهى أمره، حتى كلمه الله تكليماً، وقربه منه، واصطنعه لنفسه، وكتب له التوراة بيده، ورفعه إلى أعلى السموات، واحتمل له ما لا يحتمل لغيره، لتحمله الشدائد والمحن العظام في الله، ومقاساة الأمر الشديد مع فرعون وقومه، ثم مع بني إسرائيل.

ثم تأمل حال المسيح - صلى الله عليه وسلم - وصبره على قومه، واحتماله في الله ما تحمله منهم، حتى رفعه الله إليه، وطهره من الذين كفروا، وانتقم من أعدائه، وقطعهم في الأرض، ومزقهم كل ممزق، وسلب ملكهم وفخرهم إلى آخر الدهر.

ثم تأمل حال نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وسيرته مع قومه، وصبره في الله، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله، وتلون الأحوال عليه، من سلم وحرب، وغنى وفقر، وإقامة وظعن، وخوف وأمن، وتركه من أجل الله كل شيء، وقتل أحبابه وأوليائه وأصحابه بين يديه كما حصل في أُحُد وغيرها.

وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى من القول والفعل، والسحر والكذب، والافتراء عليه، والاستهزاء به، والسخرية منه ومن دينه وأتباعه، وهو في ذلك كله صابر على أمر الله، يدعو إلى الله، ويرحم عباد الله، ويستعطفهم ليؤمنوا بالله.

فلم يؤذَ نبي ما أوذي كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ» أخرجه الترمذي وابن ماجه (١).

فرفع الله ذكره .. وقرن اسمه باسمه .. وجعله سيد الناس كلهم في الدنيا والآخرة .. وجعله أقرب الخلق وسيلة .. وأعظمهم جاهاً .. وكانت تلك المحن


(١) صحيح: أخرجه الترمذي برقم (٢٤٧٢)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي (٢٠١٢).
وأخرجه ابن ماجه برقم (١٥١)، صحيح سنن ابن ماجه رقم (١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>