للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنصار والأعوان.

وكان هذا البذل خالصاً لله، لا تشوبه شائبة من طمع في عوض من الأرض ولا رياء.

لقد كان بذلاً يرجون ثوابه حمية ونصرة لهذه العقيدة التي اعتنقوها وآثروها على كل شيء، وما بذلوه من ناحية الكم كان قليلاً بالقياس إلى ما أصبح الذين جاءوا بعد الفتح يملكون أن يبذلوه.

ولكن الكم ليس هو الذي يرجح بالميزان، ولكنه الباعث وما يمثله من حقيقة الإيمان كما قال سبحانه: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠)} [الحديد: ١٠].

إن الذي ينفق ويقاتل في سبيل الله والعقيدة مطاردة، والأنصار قلة، وليس في الأفق ظل منفعة، ولا رحمة سلطان، ولا رخاء ولا أمن، غير الذي ينفق ويقاتل والعقيدة آمنة، والأنصار كثرة، والنصر والغلبة قريبة المنال.

ذلك متعلق بالله مباشرة، عميق الثقة والطمأنينة بالله وحده، لا يجد على الخير أعواناً، وهذا له على الخير أنصار، فدرجات هؤلاء متفاوتة: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: ١٠].

فقد أحسنوا جميعاً على تفاوت ما بينهم في الدرجات، ورد ذلك التفاوت وهذا الجزاء بالحسنى للجميع إلى ما يعلمه الله من تقدير أحوالهم، وما وراء أعمالهم من قوة عزائمهم، وحسن نواياهم، ومعرفته تعالى بحقيقة ما يعملون.

وتلك لمسة موقظة للقلوب في عالم النوايا المضمرة، وراء الأعمال الظاهرة، وهي التي تناط بها القيم، وترجح بها الموازين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُم وَأَعْمَالِكُمْ» رواه مسلم (١).


(١) رواه مسلم برقم (٢٥٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>