والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار هم أول من اعتنق الدين، وعمل بالدين، وعلَّم الدين، ودعا إلى الدين، وأنفق على الدين، وجاهد من أجل الدين، ففضلهم على الأمة عظيم، وحقهم عليها كبير، ومكانتهم عند الله عظيمة، وجزاؤهم عند الله عظيم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)} [التوبة: ١٠٠].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فَلَوْ أنَّ أحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ» متفق عليه (١).
إنه هتاف مؤثر آسر، إن الله الغني الحميد يقول للعباد الفقراء المحاويج: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)} [البقرة: ٢٤٥].
إن تصور المسلم أنه وهو الفقير الضئيل يقرض ربه كفيل بأن يطير به إلى البذل طيراناً.
إن الناس يتسابقون عادة إلى إقراض الثري الملي منهم؛ لأن السداد مضمون، ولهم الاعتزاز بأن أقرضوا ذلك الثري الملي.
فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد، الذي له ما في السموات وما في الأرض؟.
ولا يكلهم الله سبحانه إلى هذا الشعور وحده، ولكنه يعدهم عليه الأضعاف الكثيرة، والأجور الكبيرة، والنعيم المقيم: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٦٧٣)، واللفظ له، ومسلم برقم (٢٥٤١).