فيد الله العليا .. ويد المعطي التي تليها .. ويد السائل السفلى.
واليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة.
وأشرف المال وأجله وأفضله ما اختاره الله لرسوله، وهو ما أخذه العبد في الجهاد في سبيل الله برمحه وسيفه من أعداء الله الذين كان مال الله بأيديهم ظلماً وعدواناً.
فإن الله خلق المال ليستعان به على طاعته وعبادته وفعل ما يحب، فإذا رجع إلى أوليائه وأهل طاعته فاء إليهم ما خلق لهم؛ لأنهم هم أهله الذين يتعبدون الله به، ويشكرونه عليه كما قال سبحانه: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦)} [الحشر: ٦].
والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يتصرف في ملكه تصرف العبد الذي لا يتصرف إلا بأمر سيده كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإنَّمَا أنَا قَاسِمٌ وَاللهُ يُعْطِي» متفق عليه (١).
وذلك من كمال مرتبة عبوديته - صلى الله عليه وسلم -، ولأجل ذلك لم يورث، فإنه عبد محض من كل وجه لربه عزَّ وجلَّ، والعبد لا مال له فيورث عنه.
وقد جمع الله سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بين أعلى أنواع الغنى، وأشرف أنواع الفقر، فهو أغنى الناس بربه، وأعظمهم افتقاراً إليه، وبهذا أكمل الله له مراتب الكمال فصلوات الله وسلامه عليه عدد كل ذرة في الكون.
وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بالإنفاق من الطيب من الأموال والأشياء والثمار، شكراً لله على سهولة تحصيله، وتطهيراً للأموال، وتزكية للنفوس، وأداء لحقوق العباد، ومواساة للفقراء والمساكين، ونهانا من الإنفاق من الرديء ومن الخبيث من الأموال والمطاعم؛ لأنه غني عنا وعن صدقاتنا وأعمالنا، ونفع ذلك عائد
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧١) واللفظ له، ومسلم برقم (١٠٣٧).