فهم يحبون من هاجر إليهم من أجل إعلاء كلمة الله، ونصر دينه، وهذا لمحبتهم لله ولرسوله أحبوا أحبابه، وأحبوا من نصر دينه.
وهؤلاء الأنصار لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله، وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم أهلها، لسلامة صدور الأنصار، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها.
ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم وتميزوا بها على من سواهم الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة.
وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى ودينه مقدمة على شهوات النفس ولذاتها.
عَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، أنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ، فلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا قُوتُهُ وَقوتُ صِبْيَانِهِ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: نَوِّمِي الصّبيَةَ وَاطفِئي السِّراجً، وَقَرِّبي لِلضَيْفِ ما عنْدَكِ، قَالَ: فَنزلَتْ هذِهِ الآَيَةَ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}» [الحشر: ٩] متفق عليه (١).
ومن رزق الإيثار فقد وقي شح نفسه، ومن وقي شح نفسه سمحت نفسه بامتثال أوامر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ففعلها طائعاً منقاداً، منشرحاً بها صدره.
وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه وإن كان محبوباً للنفس.
وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
وبذلك يحصل للعبد الفوز والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
فهذان الصنفان الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام والأئمة الأعلام من المهاجرين والأنصار، الذين حازوا من السوابق والمناقب والفضائل ما سبقوا
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٧٩٨)، ومسلم برقم (٢٠٥٤) واللفظ له.