وأهل الجهاد في سبيل الله هم الأعلون في الدنيا والآخرة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - في الذروة العليا منه، واستولى - صلى الله عليه وسلم - على أنواعه كلها .. فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان .. والدعوة والبيان .. والسيف والسنان، فلهذا كان أرفع العالمين ذكراً، وأعظمهم عند الله قدراً، وأمره الله عزَّ وجلَّ بالجهاد من حين بعثه فقال: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (٥٢)} [الفرقان: ٥٢].
فهذه آية مكية أمره الله فيها بجهاد الكفار بالحجة والبيان، وإبلاغ القرآن.
ثم لما استمر في الدعوة إلى الله، وآذاه الكفار، وظلموه وسبوه، وأرادوا قتله، وكفروا به، وصدوا عن سبيل الله، وصدوه عن المسجد الحرام، وبالغوا في ظلمهم وطغيانهم، وأصروا على كفرهم وشركهم، أذن الله له بالقتال بعد أن مُنع منه ثلاثة عشر عاماً في مكة، فلما بلغ الأذى والظلم أشده: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)} [الحج: ٣٩].
فجاهد عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة إلى المدينة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ويعبد الله وحده لا شريك له، امتثالاً لأمر ربه الذي قال له: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)} [التحريم: ٩].
والجهاد بالقلب واللسان، وبالسيف والسنان، كله لإعلاء كلمة الله ونشر دين الله، ليحصل الخير لجميع البشرية، ويكف عنهم الشر، وذلك يتطلب بذل النفس والمال والوقت، والتضحية بكل شيء من أجل إعلاء كلمة الله.
وحقيقة المجاهدة تكون بثلاثة أشياء:
الأول: أن نكمل العمل من أوله إلى آخره، عبادة ودعوة، وشرطه أن يكون خالصاً لله، موافقاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.