فبسبب الذنوب والمعاصي يحصل التولي، وتقع العقوبة، وترتفع النصرة، وتحصل الهزيمة، فالذنوب أشد على المسلمين من أعدائهم، فتكون تلك الذنوب جنداً على المسلمين يزداد بها عدوهم قوة عليهم كما قال سبحانه للمؤمنين في أحد: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)} [آل عمران: ١٥٢].
فإن أعمال العبد جند له .. أو جند عليه.
فالطاعة معها النصر، والمعصية معها الخذلان، ولا بدَّ للعبد في كل وقت من سَرِيَّة من نفسه تهزمه أو تنصره، فهو يمد عدوه بأعماله من حيث يظن أنه يقاتله بها، ويبعث إليه سَرِيَّة تغزوه مع عدوه من حيث يظن أنه يغزو عدوه، ولو فهم الناس هذا ما أقدموا على المعاصي، فهي تهلكهم في الدنيا قبل الآخرة.
فأعمال العبد تسوقه قسراً إلى مقتضاها من الخير والشر، والعبد لا يشعر أو يشعر ويتعامى.
ففرار الإنسان من عدوه وهو يطيقه إنما هو بجند من عمله، بعثه له الشيطان واستزله به كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)} [آل عمران: ١٥٥].
والله سبحانه سنته جارية بنصر المؤمنين وخذلان الكافرين، لكن الله أحياناً يبتلي المؤمنين بغلبة عدوهم عليهم، وقهره لهم، وفي ذلك منافع ومصالح وحكم وأسرار منها:
استخراج عبوديتهم لله .. وذلهم له .. وانكسارهم له .. واستغاثتهم به .. وسؤالهم له النصر على عدوهم .. وعدم الالتفات إلى ما سواه.