كيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له، متسلط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، وهو نفسه الأمارة بالسوء.
فلا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج، فهذان عدوان قد امتحن العبد بجهادهما، وبينهما عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما ويخذله ويرجف به وهو الشيطان، ولا يزال يخيل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ، وفوات اللذات والمشتهيات، حتى يقعده عن الجهاد في سبيل الله، ثم يشغله بالمباحات والشهوات، ثم يوقعه في الكبائر والمحرمات.
والذين يخرجون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ويضحون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، هم عادة أكرم الناس قلوباً، وأزكاهم أرواحاً، وأطهرهم نفوساً، وأحسنهم طاعة واستقامة، وهم وإن ماتوا أو قتلوا في سبيل الله فهم أحياء عند ربهم يرزقون كما قال سبحانه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١)} [آل عمران: ١٦٩ - ١٧١].
والإسلام هو الدين الكامل العظيم الشامل الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من ربه إلى كافة العالمين، ولا يقبل الله من أحد ديناً سواه كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)} [آل عمران: ٨٥].
وقد شرع الله هذا الدين ليكون قاعدة للحياة الإنسانية في الأرض كلها، وليكون منهجاً عاماً للبشرية بأجمعها، ولتقوم الأمة المسلمة بدعوة البشرية وقيادتها إلى ربها وفق النهج الإلهي الذي فيه كل خير، ورفعها إلى هذا المستوى العالي من الحياة الذي لا تبلغه إلا في ظل هذا الدين، وتمتيعها بهذه النعمة التي لا تعدلها نعمة.
والتي تفقد البشرية كل فلاح ونجاح حين تحرم منها، ولا يعتدي عليها معتد