الجهاد بالسيف كذلك يواجه القوى المادية الشرسة، وهما معاً يواجهان الواقع البشري بجملته لرده إلى ربه، وانتزاعه من العبودية لغيره.
والجهاد في الإسلام له بابان:
الأول: باب يخرج منه ليدافع المهاجمين له؛ لأن مجرد وجود الدين كمجتمع إسلامي مستقل، الحاكمية فيه لله وحده، لا بد أن يدفع المجتمعات الجاهلية من حوله لسحقه، دفاعاً عن وجودها ذاته، وهنا لا بد له أن يدافع عن نفسه، إذ لا يمكن التعايش بين الحق والباطل.
الثاني: أن الإسلام ذاته لا بدَّ أن يتحرك إلى الأمام ابتداءً لنشر الدين في العالم، ولإنقاذ الإنسان في العالم من العبودية لغير الله، ولا يترك البشرية في الأرض للشر والفساد والعبودية لغير الله.
إن الإسلام جاء ليقرر ألوهية الله في الأرض، وعبودية البشر جميعاً لإله واحد، فمن حقه أن يزيل العقبات كلها من طريقه، ليخاطب وجدان الأفراد وعقولهم، دون حواجز ولا موانع مصطنعة.
إن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء في كل اتجاه، فالإسلام ليس نحلة قوم، ولا نظام وطن، ولكنه منهج إله، ونظام للعالم كله يحقق لهم الأمن والسعادة والطمأنينة، ويقضي على منابع الشر والعدوان، ويقطع دابر الجور والفساد في الأرض، والاستغلال الممقوت، ويقوم بذلك رجال يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٥٢)} [إبراهيم: ٥٢].
وبالجهاد في سبيل الله يحق الله الحق ويثبته، ويبطل الباطل ويزهقه، ويقطع دابر الكافرين، ويخضد شوكتهم، وتعلو راية الإسلام، وتعلو معها كلمة الله، وتظهر قوة الأمة، وتقيس قوتها الحقيقية إلى قوة أعدائها، وتعلم أن النصر ليس بالعدد وليس بالعدة، إنما هو بقدر اتصال القلوب بالله، وبقوته التي لا تقف لها قوة العباد، وأن يكون هذا كله عن تجربة واقعية لا عن مجرد تصور واعتقاد قلبي.