كان انسياح الجيوش الإسلامية في بلاد الروم، وفي بلاد الفرس، فاتسعت رقعة الإسلام، فإذا هي كتلة ضخمة شاسعة الأرجاء، متماسكة الأطراف.
ثم كان فتح مصر وشمال أفريقية، وبلاد ما وراء النهر، ثم فتح الأندلس وما جاورها.
وهكذا صارت دولة الإسلام بهذا الحجم الكبير تحت راية واحدة، وقيادة واحدة، تقول كلمة التوحيد، وتعمل بها، وتدعو إليها.
فلما ضعف الإيمان .. ضعف الهم والعمل .. وأعرض كثير من الناس عن الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله .. واشتغلوا بحاجات دنياهم عن حاجات دينهم .. وقدموا شهوات النفس على أوامر الرب، هانوا على الله وعلى خلقه، ونزلت بهم العقوبات جزاء مخالفتهم لأوامر الله.
وعمل الأعداء بتدبير خبيث ماكر على تمزيق وحدتهم، وتقويض هذا البنيان الكبير وتمزيقه، ففرقوا أهل التوحيد، وأقاموا الحدود المصطنعة فيما بينهم على أساس تلك البيوت، أو على أساس القوميات، أو على أساس بيع الحكم مقابل ضرب الإسلام وأهله.
وستظل هذه الشعوب التي جعل منها الإسلام أمة واحدة في دار الإسلام وراء فواصل الأجناس واللغات والأنساب والألوان، ستظل ضعيفة مهينة مقهورة إلا أن تثوب إلى دينها، وتعمل بشرع خالقها، وتتبع خطى رسول الله في حياتها، وبذلك يحصل لها العز والنصر والتمكين.
إن الأمر بقتال الذين يلون المسلمين من الكفار هو الأمر الأخير الذي يجعل الإنطلاق بهذا الدين، ليشمل الأرض كلها هو الأصل الذي ينبثق منه الجهاد، وليس هو مجرد الدفاع كما كانت الأحكام المرحلية أول العهد.
فالجهاد في الإسلام جهاد لتقرير ألوهية الله في الأرض، وطرد الطواغيت المغتصبة لسلطان الله، جهاد لتحرير الإنسان من العبودية لغير الله، ومن فتنته بالقوة عن أن يدين بالتوحيد لله وحده، وجهاد لتغليب منهج الله الهادي على