وهذا عمل الأمة إلى يوم القيامة لمن كان يرجو رحمة الله، دعوة وجهاد، وهجرة ونصرة، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)} [البقرة: ٢١٨].
وبالهجرة والنصرة من أجل إعلاء كلمة الله ونشر دينه تنتشر الهداية في العالم، ويزول الباطل من الأرض، وتنزل رحمة الله على عباده، ويحصل لهم رضوانه، والفوز بجنته كما قال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)} [التوبة: ١٠٠].
أما الذين يقعدون عن الجهاد في سبيل الله فهم الذين يحتاجون أن يتلقوا ممن خرجوا؛ لأنهم لم يشاهدوا ما شاهد الذين خرجوا، ولا فقهوا فقههم، ولا وصلوا من أسرار هذا الدين إلى ما وصل إليه هؤلاء الخارجون من أجله.
ولعله يتبادر إلى الذهن أن الذين يتخلفون عن الغزو والجهاد والدعوة والحركة هم الذين يتفرغون للتفقه في الدين، ولكن هذا وهم، فإن الجهد والجهاد والمجاهدة قوام هذا الدين، ومن ثم لا يفقهه إلا الذين يتحركون به، ويضحون من أجله بكل شيء، ويجاهدون لتقريره في حياة الناس.
والجهاد في سبيل الله ماض إلى يوم القيامة، وخطة الجهاد ومداه بينها الله ورسوله وخلفاؤه من بعده، وقد سارت عليها الفتوحات الإسلامية، بالدعوة إلى الله، وقتال الظالمين من المستكبربن والمعاندين والطغاة، بداية بمن يلون دار الإسلام ويجاورونها مرحلة مرحلة كما أمر الله المؤمنين بذلك بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)} [التوبة: ١٢٣].
فلما أسلمت الجزيرة العربية أو كادت، كانت غزوة تبوك على أطراف الروم، ثم