فالمؤمنون لا ينفرون كافة، ولكن تنفر من كل فرقة منهم طائفة على التناوب، لتتفقه هذه الطائفة في الدين بالنفير والخروج والجهاد والحركة بهذه العقيدة، وتنذر الباقين من قومها إذا رجعت إليهم بما رأته وما فقهته من هذا الدين في أثناء الخروج والجهاد من ثمرات الإيمان، كنصر الله لأوليائه، وخذلانه لأعدائه، ونزول الهداية على الخلق، وظهور الآيات، وتسخير المخلوقات كنزول الملائكة في بدر، وانفلاق البحر لموسى - صلى الله عليه وسلم -، وانبجاس الحجر بالماء لموسى، والتقاء ماء الأرض والسماء لنصرة نوح - صلى الله عليه وسلم - وإهلاك أعدائه، وغير ذلك من الآيات.
فهذا الدين كله جهد وعمل، لا يفقهه إلا من يتحرك به، فالذين يخرجون للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله هم أولى الناس بفقهه، بما يتكشف لهم من أسراره ومعانيه، وبما يتجلى لهم به من آياته وتطبيقاته العملية في أثناء الحركة به.
فهذه الأمة خير أمة أخرجت للناس لها عمل وهو عبادة الله وحده لا شريك له، ولها أخلاق تتزين بها بين الناس وهي أوامر الدين، وعليها مسئولية وهي الدعوة إلى الله وإعلاء كلمة الله في الأرض.
لذلك وصف الله المؤمنين بأعمالهم، وأثنى عليهم بأفعالهم المطلوبة منهم كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)} [الأنفال: ٧٤، ٧٥].
فالمؤمنون صنفان:
مهاجرون يجاهدون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، ويدعون إلى الله في أرضه.
وأنصار يؤوون ويناصرون المهاجرين والخارجين في سبيل الله.
وبهذين الصنفين من المؤمنين أظهر الله دينه، وأعلى كلمته حتى دخل الناس في