الآخرة، ومطيع السنن الكونية والعاصي لها غالباً ما يرى ثوابه وعقابه في دار الدنيا.
فكما أن ثواب الصبر النصر، فكذلك ثواب السعي الغنى، وكل حق أصبح وسيلة لباطل فسينتصر على باطل أصبح وسيلة لحق.
ورابعاً: أن الحق إذا كان مشوباً بشيء آخر أو مغشوشاً، فإن الله يسلط عليه الباطل مؤقتاً، حتى يصفو الحق نتيجة التدافع، ولتظهر مدى قيمة سبيكة الحق الثمينة جداً.
والله عزَّ وجلَّ يبتلي عباده المؤمنين أحياناً بغلبة عدوهم عليهم، وفي ذلك منافع وحكم عظيمة:
منها استخراج عبوديتهم لله، وذلهم له، فلو كانوا منصورين دائماً لبطروا وأشروا، ولو كانوا مغلوبين دائماً لما قامت للدين قائمة.
فاقتضت حكمة الله أن صرفهم بين الغلبة لهم وعليهم، فإذا غلب عليهم عدوهم تضرعوا إلى ربهم واستغفروه، وإذا غلبوه أقاموا شعائره ودينه، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر.
ومنها: أنهم لو كانوا منصورين دائماً لدخل معهم من ليس قصده الدين، ولو كانوا مغلوبين دائماً لم يدخل معهم أحد.
فاقتضت حكمة العليم الخبير أن تكون لهم الدولة تارة، وعليهم تارة؛ ليتميز بذلك من يريد الله ورسوله، ومن يريد الدنيا والجاه.
ومنها: أن الله سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفي حال العافية والبلاء، ولكل حالة عبودية، فكما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر والبرد، فكذلك لا تستقيم القلوب إلا بالسراء والضراء.
والله بذلك يمحصهم ويخلصهم ويهذبهم، ويتخذ منهم شهداء، ويعلم المؤمنين من الكافرين، والصادقين من الكاذبين: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠)