ومن هنا استحقوا أن يتركهم الله يسارعون في الكفر ليستنفدوا رصيدهم كله، ولا يستبقوا لهم حظاً من ثواب الآخرة: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٧٦)} [آل عمران: ١٧٦].
فالله ناصر دينه، ومؤيد أهله، ومنفذ أمره من دونهم، فلا تبال بهم، ولا تحفل بهم، وهم إنما يضرون أنفسهم بفوات الإيمان في الدنيا، وحصول العذاب الأليم في الآخرة، ومن هوانهم على الله وسقوطهم من عينه، لم يجعل لهم حظاً في الدنيا بالإيمان، ولا حظاً في الآخرة بالثواب، فخذلهم ولم يوفقهم لِمَا وفق إليه أولياءه؛ لعلمه بأنهم غير زاكين على الهدى، ولا قابلين للرشاد.
والذين اختاروا الكفر على الإيمان لن يضروا الله شيئاً، وإنما يضرون أنفسهم، والله غني عنهم، وقد قيض لدينه من عباده الأبرار الأزكياء سواهم، وأعد له ممن ارتضاه لنصرته من الرجال الصادقين: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٧)} [آل عمران: ١٧٧].
والعيون قد ترى أعداء الله وأعداء الحق متروكين لا يأخذهم العذاب، ممتعين في ظاهر الأمر بالقوة والسلطة، والمال والجاه، مما يوقع الفتنة في قلوب هؤلاء .. وقلوب الناس من حولهم، مما يجعل ضعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يحسبون أن الله سبحانه يرضى عن الشر والباطل فيملي له، ويرخي له العنان، أو يحسبون أن الباطل حق، وإلا فلم تركه الله ينمو ويكبر ويغلب؟.
أو يحسبون أن من شأن الباطل أن يغلب على الحق في هذه الأرض بقوته، وليس هناك من قوة تغلبه.
وهذا وَهْمٌ باطل، وظنٌّ بالله غير الحق، والأمر ليس كذلك قطعاً، فإنه إذا كان الله لا يأخذهم بكفرهم الذي يسارعون فيه، وإذا كان الله يعطيهم حظاً في الدنيا يستمتعون به ويلهون فيه، إذا كان الله يأخذهم بهذا الابتلاء فإنما هي الفتنة ..