للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندئذ إما أن تتحطم هذه المتحجرات، وإما أن تدعها الحياة في مكانها وتمضي، والأمر الأول هو الذي حدث لقوم نوح.

ذلك أنهم كانوا في فجر البشرية، وفي أول الطريق، فشاءت إرادة الله أن تطيح بهم من أول الطريق: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧)} [المؤمنون: ٢٧].

وهكذا شاءت إرادة الله، ومضت سنة الله في تطهير الطريق من العقبات المتحجرة، لتمضي الحياة في طريقها المرسوم، وأراد الله أن يكون العلاج هو الطوفان الذي يجتث كل شيء، ويجرف كل شيء، ويغسل التربة، لتعاد بذرة الحياة السليمة من جديد، وجعل الله الفلك وسيلة للنجاة من الطوفان، وحفظ بذور الحياة السليمة كيما يعاد بذرها من جديد.

وقد شاء الله عزَّ وجلَّ أن يصنع نوح الفلك بيده؛ لأنه لا بد للإنسان من الأخذ بالأسباب والوسائل، وبذل آخر ما في طوقه ليستحق المدد من ربه، فالمدد والنصر لا يأتي القاعدين المسترخين، الذين ينتظرون ولا يزيدون على الانتظار والأماني.

وجعل الله لنوح علامة للبدء بعملية التطهير الشاملة لوجه الأرض من هؤلاء، وهي خروج الماء من التنور، ليسارع نوح فيحمل في السفينة بذور الحياة من كلٍ زوجين اثنين من أنواع الحيوان والطيور والنبات، وأهله إلا من سبق عليه القول منهم، وهم الذين كفروا وكذبوا، فاستحقوا كلمة الله وسنته النافذة، وهي إهلاك المكذبين بآيات الله بالغرق الذي ابتلعهم.

وأمر الله نوحاً ألا يجادل في أمر واحد، ولا يحاول إنقاذ أحد، فسنة الله ماضية لا تحابي أحداً، ولا تنحرف عن طريقها من أجل خاطر ولي ولا قريب.

وتنفيذاً لما طلبه نوح - صلى الله عليه وسلم - من ربه جاء أمر الله بإغراق المكذبين ونصر المؤمنين: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>