وعيسى - صلى الله عليه وسلم - دعا بني إسرائيل إلى الله والاستقامة على الدين، فلما لم يستجيبوا له أظهر الله من آمن به على من خالفه كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (١٤)} [الصف: ١٤].
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - دعا قومه قريشاً إلى الله فلم يؤمن منهم إلا القليل، ولما أعرضوا عنه وسبوه، ثم آذوه وأرادوا قتله حفظه الله وهاجر إلى المدينة فأعز الله دينه ورسوله والمؤمنين، ثم أظهره الله على جميع أعدائه ودخل مكة فاتحاً معه المهاجرون والأنصار، ودخل الناس في دين الله أفواجاً كما قال سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)} [النصر: ١ - ٣].
ولما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وانشغل الناس بموته، ومن يكون خليفة بعده، وقف جهد الدعوة فنقص الدين، وحصلت في الإسلام خمس مصائب:
اشرأب النفاق .. ومنع قوم الزكاة .. وترك قوم الصلاة .. وارتد كثير من قبائل العرب .. واجتمع الأعداء لغزو المدينة.
ونزل بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها.
ولكن لكمال إيمانه ويقينه على ربه وكمال تضحيته ثبته الله، فوقف لهذه الفتن العظام موقف المؤمن الواثق من نصر الله.
فأمر الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - بإنفاذ جيش أسامة - رضي الله عنه -، على الرغم من مخالفته الأحوال الظاهرة.
وأمر جميع الصحابة رضي الله عنهم أن يخرجوا لحرب المرتدين ومانعي الزكاة، وإقناعهم بالرجوع إلى دينهم، فخرجوا جميعاً ولم يبق في المدينة إلا