للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا الغلام الذي تعلم الإيمان على يد الراهب، ثم ضحى بنفسه من أجل الدين تضحية كاملة، فجعله الله سبباً لهداية الناس، وترك دين الملك الضال، وبكمال تضحية من آمن به وأطاعه أزال الله الباطل وأحق الحق كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ، فَأعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ: حَبَسَنِي أهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أعْلَمُ آلسَّاحِرُ أفْضَلُ أمِ الرَّاهِبُ أفْضَلُ؟ فَأخَذَ حَجَرًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ! إِنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهِبِ أحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فَأتَى الرَّاهِبَ فَأخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أيْ بُنَيَّ، أنْتَ الْيَوْمَ أفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أمْرِكَ مَا أرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الْغُلامُ يُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أجْمَعُ، إِنْ أنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لا أشْفِي أحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ، فَشَفَاهُ اللهُ، فَأتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلامِ، فَجِيءَ بِالْغُلامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أيْ بُنَيَّ! قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لا أشْفِي أحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأبَى، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>