والذين تولوا يوم التقى الجمعان في أُحد إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا من الذنوب، والذين انتصروا في معارك العقيدة مع الأنبياء هم الذين بدؤوا المعركة بالدعاء والاستغفار من الذنوب، وصدق اللجوء إلى الله وطاعته فتلك عُدَّة النصر.
وقدر الله وراء أفعال البشر، ففي غزوة أحد نصر الله المؤمنين في البداية، وما أن ضعف المسلمون وتنازعوا وعصوا وانصرفوا لجمع الغنائم إلا وصرف الله قوتهم وبأسهم وانتباههم عن المشركين، وصرف الرماة عن ثغرة الجبل، وصرف المقاتلين عن الميدان فلاذوا بالفرار، ووقع كل هذا مرتباً على ما صدر منهم كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)} [آل عمران: ١٥٢].
وما حدث لهم مدبَّر من الله ليبتليهم لتمحيص النفوس، وتمييز الصفوف فصرفهم عنهم ليبتليهم، ولقد عفا الله عن المؤمنين لضعفهم وعدم إصرارهم على الخطيئة، وحسن نيتهم، وثباتهم على دينهم، والله ذو فضل على المؤمنين.
والصحابة رضي الله عنهم وإن كانوا خير أمة أخرجت للناس إلا أنهم بشر فيهم الضعف والنقص، ولذلك حصل منهم ما حصل في أُُحد؛ لأنهم في دور التربية والتكوين، وفي أوائل الطريق، ولكنهم جادون في أخذ هذا الأمر، مسلمون أمرهم لله مولاهم.
ومن ثم رحمهم الله وعفا عنهم ولم يطردهم، وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يعفو عنهم ويستغفر لهم، ويشاورهم في الأمر؛ تربية لهم.
فعاد إليهم الإيمان في اليوم الثاني، وخرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد