ولما كبروا واكتملت تربيتهم تغيرت معاملتهم، وحوسبوا كما يحاسب الرجال الكبار كما في مؤاخذة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - للنفر الثلاثة المتخلفين عن غزوة تبوك، فالقوم في أُحد غير القوم في تبوك، حيث بلغت فيهم التربية شأواً بعيداً.
وهم مع ذلك فيهم الضعف والنقص والخطأ والنسيان، ولكن كان فيهم دائماً الاستغفار والتوبة والرجوع إلى الله.
والله عزَّ وجلَّ في مواطن التربية والابتلاء لا يعد المؤمنين بالنصر في الدنيا .. ولا يعدهم بقهر الأعداء .. ولا يعدهم بالتمكين في الأرض، ولا يعدهم بشيء من الأشياء في هذه الحياة، إنما يعدهم شيئاً واحداً هو الجنة كما قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: ١١١].
وهذا هو الأصل في الدعوة، التجرد المطلق من كل هدف، ومن كل غاية، ومن كل مطمع، فهذه العقيدة عطاء ووفاء وأداء فقط، وبلا مقابل من أعراض هذه الأرض.
ثم يقع النصر والتمكين والعزة والغنائم، ولكن كل هذا ليس داخلاً في البيعة، ليس في الصفقة مقابل في هذه الدنيا، ليس فيها إلا الأداء والوفاء والعطاء والابتلاء.
على هذا كانت البيعة والدعوة مطاردة في مكة، وعلى هذا كان البيع والشراء، وعلى هذا يسير الدعاة إلى الله إلى يوم القيامة.
فإذا كانت قلوب المؤمنين متوجهة إلى الله .. وأجسادهم مزينة بسنن رسول الله