للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينحدرون بها إلى مدارج الحيوان، فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض، إنما هم مبتلون بما هم فيه، أو مبتلى بهم غيرهم، ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها الله.

وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب كما يتم بتمكينه في تصريف الحياة وتدبيرها وفق منهج الله.

وقد تحقق وعد الله عزَّ وجلَّ للمؤمنين، فأظهر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - على جزيرة العرب، فأمنوا بعد الخوف، ووضعوا السلاح، ثم قبض الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - فكانوا كذلك آمنين في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.

ووعد الله مذخور لكل من يقوم على الشرط من هذه الأمة إلى يوم القيامة.

إنما يبطئ النصر والاستخلاف والتمكين والأمن لتخلف شرط الله في جانب من جوانبه الفسيحة، أو في تكليف من تكاليفه الضخمة.

فمن أراد الوصول إلى حقيقة وعد الله بالاستخلاف فعليه بالاستقامة على أوامر الله، وإذا استقام فما عليه من قوة الكافرين، فما هم بمعجزين في الأرض: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٥٧)} [النور: ٥٦، ٥٧].

إن شريعة الله للناس طرف من ناموسه في خلق الكون الذي يسير بأوامره سامعاً مطيعاً، وإن كتابه المنزل بيان للحق الذي يجب أن يسير عليه البشر.

وإن العدل الذي يطالب به الخلفاء في الأرض، والحكام بين الناس، إنما هو طرف من الحق الكلي، لا يستقيم أمر الناس إلا حين يتناسق مع بقية الأطراف بالطاعة والاستقامة.

وإن الانحراف عن شريعة الله إنما هو انحراف عن الحق الذي قامت عليه وبه السموات والأرض، وهو أمر عظيم وشر كبير، واصطدام مع القوى الكونية الهائلة، ولا بدَّ أن يتحطم في النهاية ويزهق، وينال أهله عقوبة انحرافهم، وخيانتهم للأمانة، وتضييع أمر الخلافة: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>