فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط، وبناء وإنشاء كله موجه إلى الله، لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله.
وهي طاعة لله، واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة، لا يبقى معها هوى في النفس، ولا شهوة في القلب، ولا ميل في الفطرة، إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فهو الإيمان الذي يستغرق الإنسان كله، خواطر نفسه، وخلجات قلبه، وحركات جسمه، ولفتات جوارحه، وسلوكه مع ربه في أهله ومع الناس، يتوجه بهذا كله إلى ربه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)} [الأنعام: ١٦٢، ١٦٣].
والشرك مداخل وألوان، وأقوال وأفعال، فالتوجه إلى غير الله بعمل أو شعور هو لون من ألوان الشرك بالله.
ذلك أن الإيمان منهج حياة كامل يتضمن كل ما أمر الله به، وتلك حقيقة الإيمان.
أما حقيقة الاستخلاف في الأرض فليست مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم، إنما هي هذا كله على شرط استخدامه في الإصلاح والتعمير والبناء، وتحقيق المنهج الذي أنزل الله للبشرية كي تسير عليه، وتصل عن طريقه إلى مستوى الكمال المقدر لها في الأرض، وترضي الله بالاستقامة عليه.
إن الاستخلاف في الأرض قدرة على العمارة والإصلاح لا على الهدم والإفساد .. وقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة لا على الظلم والقهر .. وقدرة على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري لا على الانحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحيوان.
هذا هو الاستخلاف الذي وعده الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليحققوا مراد الله من عباده وفي عباده.
أما الذين يملكون فيفسدون في الأرض، وينشرون فيها البغي والجور والفجور،