ثم ظل هو الاختبار الذي لا بدَّ أن يجتازه كل مسلم، وتجتازه كل جماعة قبل أن يأذن الله لها بأمانة الاستخلاف في الأرض.
فقد ابتلى الله عزَّ وجلَّ جند طالوت بعدم الشرب من النهر لتقوى إرادتهم على المغريات والأطماع والشهوات فتصمد للعدو.
وابتلى سبحانه أهل التوبة من بني إسرائيل بظهور الحيتان يوم السبت الذي هو راحة لهم ليتفرغوا للعبادة، ولا يشتغلوا بشيء من شئون المعاش، فجاءتهم الحيتان يوم السبت قريبة المأخذ، سهلة الصيد، فغلبت شهواتهم إرادتهم فاحتالوا عليها، وحبسوها يوم السبت، وأخذوها يوم الأحد، فجعلهم الله قردة خاسئين كما قال سبحانه: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (١٦٦)} [الأعراف: ١٦٦].
وما أكثر الحيل عندما تلتوي القلوب، وتقل التقوى، ويراد التفلت من ظاهر النصوص.
إن الحكم لا تحرسه نصوصه، إنما تحرسه القلوب النقية التي تستقر فيها تقوى الله وخشيته، ومراقبته في السِّر والعلن.
وقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يستخلفهم في الأرض ويمكن لهم فيها، ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً، ووعد الله حق، ووعد الله واقع، ولن يخلف الله وعده، وقد قال سبحانه وفعل ومكن للمؤمنين في الأرض في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعهد أصحابه رضي الله عنهم، وعهد من اقتفى أثرهم كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٥٥)} [النور: ٥٥].
إن حقيقة الإيمان الذي يتحقق به وعد الله للمؤمنين حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الإنساني كله، وتوجه النشاط الإنساني كله.