للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَا وَرَجُلانِ مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ أحَدُ الرَّجُلَيْنِ: أمِّرْنَا يَا رَسُولَ الله، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَهُ، فَقَالَ: «إِنَّا لا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَألَهُ، وَلا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ» متفق عليه (١).

ومن أخبر عن نفسه إظهاراً لنعمة الله عليه، وليس فخراً على من دونه، وطلب العمل ليكثر به ما يحبه الله ورسوله من الخير، فهو محمود كما طلب يوسف الصديق - صلى الله عليه وسلم - من عزيز مصر بقوله: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥)} [يوسف: ٥٥].

ومن أثنى على نفسه افتخاراً به على من دونه، ليتكثر به عند الناس ويتعظم، فهذا يجازيه الله بمقت الناس له، وصغره في عيونهم، والأول يكبره في عيونهم وقلوبهم، وإنما الأعمال بالنيات.

ولا صلاح للكائنات والمخلوقات إلا بأن تكون حركاتها وفق أمر فاطرها وخالقها وحده لا شريك له.

فلو كان للعالم إلهان لفسد نظامه غاية الفساد، فإن كل إله يطلب مغالبة الآخر والعلو عليه وقهره، وفي ذلك فساد أمر السموات والأرض ومن فيهما كما قال سبحانه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)} [الأنبياء: ٢٢].

وأصل فساد العالم إنما هو من فساد اختلاف الملوك والخلفاء، وبغي بعضهم على بعض.

ولهذا لم يطمع أعداء الإسلام في المسلمين في زمن من الأزمنة إلا في زمن تعدد الملوك من المسلمين واختلافهم، وانفراد كل واحد منهم ببلاد، وطلب بعضهم العلو على بعض، وانتظام حركة الحياة لا تتم إلا إذا كان الآمر واحداً.

فصلاح أمر السموات والأرض واستقامتهما، وانتظام أمر المخلوقات على أتم


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٧١٤٩)، واللفظ له، ومسلم برقم (١٧٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>