فالنفوس الجاهلة الظالمة تركته ومجراه فخرب ديار الإيمان، وهدم عمران الإسلام، وقلع أشجاره، وأنبت موضعها كل شجرة خبيثة.
وأما النفوس الزكية الفاضلة فإنها رأت ما يؤول إليه أمر هذا النهر فافترقوا ثلاث فرق:
فأصحاب المجاهدات والخلوات والتمرينات راموا قطعه من ينبوعه فأبت عليهم حكمة الله، وما طبع الله عليه الجبلة البشرية، ولم تنقد له الطبيعة البشرية فاشتد القتال، وحمى الوطيس فانقطعوا ولم يصلوا.
وفرقة أعرضوا عنه، وشغلوا أنفسهم بالأعمال، ولم يجيبوا دواعي تلك الصفات، مع تخليتهم إياها على مجراها، واشتغلوا بتحصين العمران، وأحكام بنائه وأساسه.
فهؤلاء صرفوا قوتهم وإرادتهم في العمارة والتحصين، وأولئك صرفوها في قطع المادة الفاسدة من أصلها خوفاً من هدم البناء.
والفرقة الثالثة: رأت أن هذه الصفات ما خلقت عبثاً ولا سدىً، وأنها بمنزلة ماء يسقى به الورد والشوك، وأن ما خاف منه أولئك هو سبب الفلاح والنجاة.
فرأوا أن الكبر نهر يسقى به العلو والفخر، والبطر والظلم، والشر والعدوان .. ويسقي به علو الهمة .. والأنفة والحمية، والمراغمة لأعداء الله وقهرهم، فصرفوا مجراه إلى هذا الغراس.
فأبقوه على حاله في نفوسهم، لكن استعملوه حيث يكون استعماله أنفع، كالخيلاء فهي مبغوضة للرب، لكنها في الحرب أمام الأعداء، وعند الصدقة محبوبة للرب.
وكذلك خلق الحسد مذموم، لكن صرفه إلى الحسد المحمود الذي يوصل إلى المنافسة في الخير الذي يحبه الله أمر محمود.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي