للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاءوا بصرف قوة الغضب من الظلم والبغي إلى جهاد أعداء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والغلظة عليهم، والانتقام منهم كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩)} [التحريم: ٩].

وجاءوا بصرف قوة اللهو والركوب، إلى اللهو والرمي والمسابقة على الخيل وركوبها في سبيل الله واللهو في العرس والعيد.

وكذلك شهوة استماع الأصوات المطربة اللذيذة لا يذم بل يحمد، وقد وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمع إلى قراءة أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - للقرآن، وأمر ابن مسعود - رضي الله عنه - أن يقرأ عليه القرآن، فقرأ عليه وسمع وتأثر بما سمع وبكى.

وهذا سماع خواص الأولياء، فلا بدَّ للروح من سماع طيب تتغذى به، ولذا قال سبحانه: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤)} [المزمل: ٤].

وعن عبد الله بن مسعود قال: قال لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ»، قال فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قال: «إِنِّي أشْتَهِي أنْ أسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي»، فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ، حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)} [النساء: ٤١]. رَفَعْتُ رَأْسِي، أَوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِي فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَرَأيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيل. متفق عليه (١).

والسماع المذموم سماع المكاء والتصدية، وألفاظ الخنا، وآلات المعازف.

فهذا غذاء .. وهذا غذاء .. ولكن لا يستوي من غذاؤه الحلوى، والطيبات، والعسل .. ومن غذاؤه الرجيع، والميتة، والدم، وما أُهلَّ به لغير الله.

وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان، فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة التي لم يجيء بها الرسل فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه ويترك الطبيب.

فالأنبياء والرسل هم أطباء القلوب والأبدان، وتزكية النفوس مسلَّم إليهم، فلا


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٤٥٨٢)، ومسلم برقم (٨٠٠). واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>