وأهل الدين: أكثر آدابهم في مخالفة النفوس، وتأديب الجوارح، وحفظ الحدود، وترك الشهوات.
وأما أهل الخصوص: فأكبر آدابهم في طهارة القلوب، ومراعاة الأسرار، والوفاء بالعهود، وحفظ الوقت، وحسن الأدب في مواقف الطلب ومقامات القرب.
والكمال لزوم الأدب ظاهراً وباطناً، فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهراً، وما أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب باطناً.
ومن تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة.
وحقيقة الأدب استعمال الخلق الجميل، ولهذا كان الأدب استخراج ما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل، ومن الباطن إلى الظاهر.
والأدب هو الدين كله.
فإن ستر العورة من الأدب .. والوضوء والغسل من الأدب .. والتطهر من الخبث من الأدب .. حتى يقف العبد بين يدي الله طاهراً .. والتجمل والتزين بين يدي الله في الصلاة من الأدب .. وخفض العبد بصره في الصلاة من الأدب .. وعدم قراءة القرآن في حال الركوع والسجود من الأدب، فإن القرآن كلام الله، وكلامه أشرف الكلام، وحالتا الركوع والسجود حالتا ذل وانخفاض من العبد، فمن الأدب مع كلام الله ألا يقرأ في هاتين الحالتين.
ومن الأدب مع الله ألا يستقبل بيته ولا يستدبره حال قضاء الحاجة.
ومن الأدب مع الله وضع اليد اليمنى على اليسرى عند الوقوف بين يديه في الصلاة.
فالأدب مع الله عزَّ وجلَّ هو القيام بدينه، والتأدب بآدابه ظاهراً وباطناً.
ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء:
معرفة الله بأسمائه وصفاته .. ومعرفته بدينه وشرعه وما يحب وما يكره .. ونفس مستعدة قابلة لينة .. متهيئة لقبول الحق علماً وعملاً وحالاً.