بحيث يشتغل بها عن حقوق الله، أو عن تكليمها، أو عن مصلحة دينه وقلبه، ولا يجفو عنها حتى يعطلها بالكلية، فإن الطرفين من العدوان الضار، وحقيقة الأدب العدل، وكمال الأدب وحسنه من أعلى درجات العبودية.
والأدب على ثلاث درجات:
الأولى: منع الخوف ألا يتعدى إلى اليأس، وحبس الرجاء أن يخرج إلى الأمن، وضبط السرور أن يضاهي الجرأة.
فلا يدع العبد الخوف من الله يفضي به إلى حد يوقعه في القنوط واليأس من رحمة الله، فهذا خوف مذموم، فالخوف الموقع في الإياس إساءة أدب على رحمة الله التي سبقت غضبه، والتي وسعت كل شيء كما قال سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)} [الأعراف: ١٥٦].
وحد الخوف ما حجز الإنسان عن معاصي الله، فما زاد على ذلك فهو غير محتاج إليه.
ولا يبلغ به الرجاء إلى حد يأمن معه العقوبة، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون كما قال سبحانه: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (٩٩)} [الأعراف: ٩٩].
وحد الرجاء ما طيب لك العبادة، وحملك على السير.
وأما ضبط السرور فلا يقدر عليه إلا الأقوياء الذين لا تستفزهم السراء فتغلب شكرهم، ولا تضعفهم الضراء فتغلب صبرهم.
الدرجة الثانية: الخروج عن الخوف إلى ميدان القبض، والصعود من الرجاء إلى ميدان البسط، ومن السرور إلى المشاهدة، فيقبض نفسه عن كل ما يسبب له العقوبة، ويطمئن إلى رحمة ربه، ويأنس به ويناجيه كأنه يراه بجلاله وجماله وكماله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)} [الرعد: ٢٨].