وقد جرت سنة الله التي لا تتبدل أن من آثر مرضاة الله على مرضاة الخلق، أن يرضى الله عنه، ويرضى عنه الخلق، فتنقلب مخاوفه أماناً، وتعبه راحة، وبليته نعمة.
ومن آثر مرضاة الخلق على مرضاة ربه أن يسخط الله عليه، ويسخط عليه الناس، خاصة من آثر رضاه من الناس، ويخذله من جهته، ويجعل محنته على يديه.
فيعود حامده ذاماً، ومن آثر مرضاته مساخطاً، وتلك سنة الله.
ورضا الخلق لا مقدور ولا مأمور ولا مأثور فهو مستحيل، فلأن يسخطوا عليك وتفوز برضا الله عنك أحسن لك من أن يرضوا عنك، والله غير راض عنك، وكل من آثر رضا الله فلا بدَّ أن يعاديه أراذل العالم وجهالهم، وأهل البدع والفجور منهم، وأهل الرياسات الباطلة، وكل من يخالف هديُه هديَه.
الثالثة: أن ينسب العبد إيثاره إلى الله دون نفسه، وأنه سبحانه هو الذي تفرد بالإيثار دون الإنسان، فهو المؤثر حقيقة، إذ هو المعطي حقيقة، والمالك لكل شيء، والمعين لكل أحد.
والناس صنفان:
منهم من يؤثر الدنيا على الآخرة، ويختار نعيمها المنغص المكدر على نعيم الآخرة، وهم الكفار.
ومن يؤثر الآخرة على الدنيا، ويؤثر نعيمها وسرورها الدائم الكامل على نعيم الدنيا الناقص الزائل، وهم المؤمنون.
والمؤمن العاقل يختار الآخرة؛ لأنها خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء وصفاء، والدنيا دار فناء.
وحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة، وذلك ثمرة فساد العقل والقلب: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)} [الأعلى: ١٦،١٧].