للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (٩٨)} [يونس: ٩٨].

فأغلب القرى لم تؤمن، ولذلك نزل بها العذاب، أما قوم يونس فكان عذاب مخزٍ يتهددهم، فلما آمنوا في اللحظة الأخيرة قبل وقوعه كشف الله عنهم العذاب، وتركهم يتمتعون بالحياة إلى أجل.

ولو لم يؤمنوا لحل بهم العذاب وفقاً لسنة الله المترتبة آثارها على تصرفات خلقه كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (١٩)} [الفرقان: ١٩].

وفي هذا إيحاء للمكذبين من هذه الأمة أن يتعلقوا بخيوط النجاة الأخيرة، فيتوبون إلى الله لعلهم ينجون كما نجى قوم يونس.

إن الحق شأنه كبير، وما تقف له أي قوة مهما كانت إلا ويدفعها؛ لأن الله هو الحق، وهو الذي أنزل الحق، ولكن الحق لا يتحقق في عالم الواقع إلا بعد تمامه في عالم الضمير.

وما يستعلي أصحاب الحق في الظاهر إلا بعد أن يستعلوا بالحق في الباطن.

إن للحق والإيمان والتوحيد حقيقة متى تجسمت في المشاعر أخذت طريقها، فاستعلنت ليراها الناس في صورتها الواقعية.

فأما إذا ظل الإيمان مظهراً لم يتجسم في القلب، وظل الحق شعاراً لا ينبع من القلب، فإن الطغيان والباطل قد يغلبان؛ لأنهما يملكان قوة مادية حقيقة لا مقابل لها ولا كفاء في مظهر الحق والإيمان.

فإذا استقرت حقيقة الحق والإيمان في القلب أصبحتا أقوى من حقيقة القوى المادية التي يستعلي بها الباطل، ويصول بها الطغيان.

وبهذا وقف الأنبياء لكل قوة غاشمة تواجههم في الأرض، فنصر الله أولياءه، وخذل أعداءه.

كما وقف نوح - صلى الله عليه وسلم - أمام الكثرة .. ووقف هود - صلى الله عليه وسلم - أمام أهل القوة .. ووقف صالح - صلى الله عليه وسلم - أمام أهل الصناعة .. ووقف إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أمام عباد الأصنام .. ووقف موسى

<<  <  ج: ص:  >  >>