للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨)} [غافر: ٢٨].

هل الداعي إذا قال ربي الله الذي بيده كل شيء، هل هذه الكلمة البريئة تستحق القتل، ويرد عليها بإزهاق الروح؟.

وهل من جاء بالحق الذي يصل المخلوق بخالقه ضال مفسد يستحق القتل والطرد؟.

أليس من الإنصاف أن يترك، فإن كان هذا النبي أو الداعي كاذباً فعليه كذبه، وهو يتحمل تبعة عمله ويلقى جزاءه، وإن كان صادقاً فيحسن الاحتياط لهذا الاحتمال؛ لئلا يصيبهم ما يكرهون؟.

هذه رسالة الأنبياء .. رحمة الخلق .. ودعوتهم إلى الله .. وتوجيههم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ليسعدوا في الدنيا والآخرة.

ولكن هل يقبل الطغاة هذه الدعوة؟.

إن فرعون يأخذه ما يأخذ كل طاغية توجه إليه النصيحة، تأخذه العزة بالإثم، ويرى في النصح الخالص افتياتاً على سلطانه، واقتحاماً لمنزلته، ونقصاً من نفوذه، ومشاركة له في النفوذ والسلطان.

{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (٢٩)} [غافر: ٢٩].

هذه مقالة فرعون، وهي مقالة كل طاغية يقف في وجه الحق، لا أقول لكم إلا ما أراه صواباً، وأعتقده نافعاً، وإنه لهو الصواب بلا شك.

وهل يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب؟.

وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون؟.

وهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيهم رأياً، وإلا لم كانوا طغاة؟.

{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)} [البقرة: ٢٥٦].

وأكثر الناس للحق كارهون؛ لأنه يسلبهم القيم الباطلة التي بها يعيشون، ويصدم أهواءهم المتأصلة التي بها يعتزون.

<<  <  ج: ص:  >  >>