فكل ما جاء عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - حق، لا يملك من يتدبره أن يظل معرضاً عنه، ففيه من الجمال والكمال وموافقة الفطرة ما يحرك الوجدان للإيمان والطاعة والعبادة، وكل ما سواه باطل: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٥٧)} [البقرة: ٢٥٧].
وفيه من غذاء القلوب، ومظاهر الآلاء والنعماء، والرحمة والإحسان، وآثار القدرة والقوة، وقويم المناهج، ومحكم التشريع، ما يستجيش عناصر الفطرة ويغذيها، ويبهر العقول والأفهام.
لقد أرسل الله رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق كما قال سبحانه: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (٧٠)} [المؤمنون: ٧٠].
والحق لا يمكن أن يدور مع الهوى، وبالحق قامت السموات والأرض، فالحق واحد ثابت، والأهواء كثيرة متقلبة.
وبالحق الواحد يدبر الله الكون كله فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض، ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة.
ولو خضع الكون للأهواء العارضة والرغبات الطارئة لفسد كله، ولفسد الناس معه، ولفسدت القيم والأوضاع، واختلت الموازين وتأرجحت كلها بين الغضب والرضا، والكره والحب، والرغبة والرهبة، وسائر ما يعرض من الأهواء بالانفعالات: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١)} [المؤمنون: ٧١].
ومن هذه القاعدة الكبرى في بناء الكون وتدبيره بأمر الله جعل الله التشريع للحياة البشرية جزءاً من الناموس الكوني تتولاه اليد التي تدبر الكون كله، والبشر جزء من هذا الكون، خاضع لناموسه الكبير.