إنها دعوة إلى القيام لله بعيداً عن الهوى، بعيداً عن المصلحة، معتمداً على مراقبة الله وتقواه، متجرداً من الرواسب والمؤثرات.
القيام لله وحده مثنى ليراجع أحدهما الآخر، ويأخذ معه ويعطي، بعيداً عن انفعالات العامة، فيأخذ الحجة والدليل من صاحبه في هدوء، وفرادى مع النفس وجها لوجه في تمحيص هادئ عميق، ثم التفكر فيمن يحمل الحق؟ .. وما الحق الذي يحمل؟ .. ومن أين جاء به؟.
ثم التفكر ثانياً فيمن جاء بهذا الحق؟ .. ما مصلحته؟ .. وما بواعثه؟ .. وماذا يعود عليه منه؟.
إنه لا يريد عوضاً من أحد، بل يرجو ثوابه ممن كلفه، ولا يتطلع أبداً إلى أجر من أحد: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧)} [سبأ: ٤٧].
ثم التفكر ثالثاً في هذا الحق، فهو الحق الذي يقذف به الله، فمن ذا يقف للحق الذي يقذف به الله؟.
ورابعاً: إذا جاء الحق بقوته فقد انتهى أمر الباطل، وما عادت له حياة: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (٤٩)} [سبأ: ٤٩].
وإنه لكذلك، فمنذ جاء القرآن استقر منهج الحق واتضح، ولم يعد للباطل إلا مماحكة ومماحلة أمام الحق الواضح الحاسم.
ومهما يقع من غلبة مادية للباطل في بعض الأحوال والظروف، إلا أنها ليست غلبة على الحق، إنما هي غلبة على المنتمين إلى الحق، غلبة الناس لا غلبة المبادئ، وهذه موقوتة ثم تزول.