يؤمر العبد بمنازعته ودفعه، ولم يقدر على ذلك كالمصائب التي لا قدرة له على دفعها، وأما الأحكام التي أُمر بدفعها، فلا يجوز له التسليم إليها، بل العبودية مدافعتها بأحكام أُخًر أحب إلى الله منها كما يدفع قَدَر الجوع بالأكل، وقَدَر المرض بالدواء.
والقلوب عند ورود الحق عليها لها أربعة أحوال:
قلب يفتتن به كفراً وجحوداً .. وقلب يزداد به إيماناً وتصديقاً .. وقلب يتيقنه فتقوم عليه به الحجة .. وقلب يوجب له حيرة وعمى فلا يدري ما يراد به كما قال سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (٣١)} [المدثر: ٣١].
وهذه الأمة أولى الأمم باتباع الحق، ففوق أنه الحق هو كذلك مجد لها، وذكر كما قال سبحانه: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٠)} [الأنبياء: ١٠].
وما كان لها لولاه من ذكر في العالمين، وقد ظلت أمة العرب لا ذكر لها في تاريخ العالم حتى جاءها الإسلام وصعد بها إلى القمة الساحقة.
وقد ظل ذكرها ومجدها وعزها يدوي في آذان القرون حينما كانت مستمسكة به، إيمان وأمان، وعدل وإحسان، ورحمة وشفقة، وغير ذلك من مكارم الأخلاق، فوا أسفاه وقد تضاءل ذكرها الآن عندما تخلت عنه في كثير من ديار الإسلام، فأصبحت تؤمر ولا تأمر، وتنصت ولا تتكلم، وترقد في آخر مواطن الذل والهوان، فما لها لا تعود إلى ربها، وقد ملكها الله الدين الذي تصل به إلى مدارج العز والعلا: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١)} [المؤمنون: ٧١].
ومنهج البحث عن الحق سهل، ومعرفة الافتراء من الصدق لازم: {قُلْ إِنَّمَا