للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا عُرف هذا .. ففعل ما يحبه الله مقصود بالذات، ولهذا يُقدِّر ما يكرهه ويسخطه لإفضائه إلى ما يحب، كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على تقديرها مما يحبه الله من لوازمها من الجهاد والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحصول التوبة من العبد، والتضرع إليه والاستكانة، واتخاذ الشهداء، وإظهار عدل الله وعفوه وانتقامه وعزته، وحصول الموالاة والمعاداة لأجله.

وفي فعل المأمورات حياة القلب وغذاؤه، وزينته وسروره، وقرة عينه، ولذته ونعيمه، وترك المنهيات بدون ذلك لا يحصِّل له شيئاً من ذلك.

وللعباد أربع حالات:

فمن فعل المأمورات وترك المنهيات فهذا ناج مطلقاً.

{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)} [البقرة: ٢٥٦].

ومن فعل المأمورات، وفعل المنهيات، فهو إما ناجٍ مطلقاً إن غلبت حسناته على سيئاته، وإما ناج بعد عقوبته على سيئاته وتمحيصه.

ومن ترك المأمورات وترك المنهيات، فهو هالك غير ناج، ولا ينجو إلا بفعل المأمور وهو التوحيد، فمتى خلا قلبه من التوحيد رأساً فهو هالك، وإن لم يعبد مع الله غيره.

فإن عبد معه غيره عذب على ترك التوحيد المأمور به، وفعل الشرك المنهي عنه.

والطاعات والمعاصي إنما تتعلق بالأمر أصلاً، وبالنهي تبعاً.

فالمطيع ممتثل المأمور، والعاصي تارك المأمور، واجتناب المناهي من تمام امتثال الأوامر ولوازمه.

فلو أن العبد اجتنب المنهي عنه، ولم يفعل ما أمر به، لم يكن مطيعاً، وكان عاصياً، بخلاف ما لو أتى بالأمر، وارتكب النهي، فإنه وإن عد عاصياً مذنباً، فهو مطيع بامتثال الأمر، عاصٍ بارتكاب النهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>