وامتثال الأمر عبودية وتقرب وخدمة، وتلك العبادة التي خلق الله لأجلها الخلق، بخلاف النهي فإنه أمر عدمي لا كمال فيه من حيث هو عدم، بخلاف الأمر فإنه أمر وجودي مطلوب الحصول.
والله عزَّ وجلَّ جعل جزاء المأمورات عشرة أمثالها، وجزاء المنهيات مثلاً واحداً كما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦٠)} [الأنعام: ١٦٠].
وهذا يدل على أن فعل ما أمر الله به أحب إليه من ترك ما نهى عنه، وإن كان كلاً منهما مقصود ومطلوب.
والله سبحانه قدر ما يبغضه ويكرهه من المنهيات؛ لما يترتب عليها مما يحبه ويفرح به من المأمورات، وهذا الفرح إنما كان بفعل المأمور به وهو التوبة.
فقدر الذنب لما يترتب عليه من هذا الفرح العظيم، الذي وجوده أحب إليه من فواته، ووجوده بدون لازمه ممتنع، وليس ذلك مطلقاً، وإنما المراد أن جنس فعل المأمورات أفضل من جنس ترك المنهيات، وكلاهما مطلوب، فالمأمورات تغذية .. والمنهيات وقاية.
والمأمور به محبوب الله سبحانه، والمنهي عنه مكروهه، ووقوع محبوبه أحب إليه من فوات مكروهه، وفوات محبوبه أكره إليه من وقوع مكروهه.
وما أمر الله عزَّ وجلَّ بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان:
فإما إلى غلو ومجاوزة .. وإما إلى تفريط وتقصير.
وهاتان الآفتان لا يخلص منهما في الاعتقاد والقصد والعمل إلا من اتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطناً وترك ما سواه.
وهذان المرضان الخطيران قد استوليا على أكثر بني آدم، ودين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي سلطة تأمر وتنهى، والأمر والنهي غير الدعوة، فالدعوة بيان وإرشاد، والأمر والنهي سلطان.