أما ترك المأمور به فلا يعذر بجهله ولا نسيانه، فلا بدَّ من الإتيان به، لكن الله رفع عنه الإثم كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسيء في صلاته أن يعيدها، فمن نسي الوضوء وصلى فلا إثم عليه، لكن عليه إعادة الصلاة بعد الوضوء .. وهكذا.
والحكمة في التشديد أول الأمر ثم التيسير في آخره توطين النفس على العزم والامتثال، فيحصل للعبد الأمران:
الأجر على عزمه .. وتوطين نفسه على الامتثال .. والتيسير والسهولة بما خفف الله عنه، ومثاله: فرض الله الصلاة خمسين ليلة الإسراء، ثم خففها وتصدق بجعلها خمساً في العمل وخمسين في الأجر.
وقد يقع في الأمر والقضاء والقدر ضد هذا، فينقل الله عباده بالتدريج من اليسير إلى ما هو أشد منه؛ لئلا يفجأ هذا التشديد بغتة، فلا تتحمله النفوس ولا تنقاد إليه.
ومثاله: تدريجهم في الشرائع شيئاً فشيئاً كالتدرج في تحريم الخمر مثلاً، ومن هذا أنهم أمروا بالصلاة ركعتين، فلما ألفوها زيد فيها.
ومن هذا الصيام كان على التخيير، فلما ألفوه فرض عليهم رمضان، ومنه الإذن بالجهاد، فلما ألفوه أمروا به.
وذلك كله للتربية على قبول الأحكام والإذعان لها.
والله عزَّ وجلَّ أنزل من السماء ماءً فأخرج بسببه الثمار اليانعة، والزروع والأزهار، وكذلك أنزل الوحي من السماء إلى عباده فأخرج بسببه الأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة، إلا أن من الأرض ما لا يقبل الماء كالحجارة، ومن البشر من لا يقبل الهدى كالقاسية قلوبهم.