لكن الله عزَّ وجلَّ أقام الحجة على جميع العباد بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ومنحهم السمع والبصر والعقل.
والأوامر الشرعية تلزم من يعلمها، وتمكن من فعلها، ومن لا يعلمها أو لم يتمكن من فعلها فلا تلزمه؛ لأن الوجوب مشروط بالعلم والقدرة، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور، أو فعل محظور بعد قيام الحجة كما قال سبحانه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥].
والله تبارك وتعالى له سنة في أمره وشرعه، وله سنة في خلقه، وله سنة في قضائه وقدره.
وحكم الله القدري يمضي في الناس على غير إرادة منهم ولا اختيار، وإلى جانبه حكم الله الشرعي الذي ينفذه الناس عن رضى منهم واختيار، وهو الحكم الشرعي المتمثل في الأوامر والنواهي، وهو كذلك من الله ولله، شأنه شأن الحكم القدري.
لكن القدري الناس فيه مقهورون، والثاني الناس فيه مختارون: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)} [يوسف: ٤٠].
فسبحان الذي خلق السموات والأرض بالحق، ليأمر عباده وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم كما قال سبحانه: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٢)} [الجاثية: ٢٢].
وأحكام الشريعة إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو، وبلوغها إليه، فكما لا يترتب في حقه قبل بلوغه هو، فكذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه في العبادات والمعاملات والحدود وغيرها، ففي العبادات لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسيء في صلاته بإعادة ما تقدم من الصلوات التي لم تكن صحيحة .. ولم يأمر معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - حين تكلم في الصلاة بالإعادة؛ لأنه لم يبلغه