وعافيته وبلائه .. وإغنائه وإفقاره .. وإعزازه وإذلاله .. وإنعامه وانتقامه .. وإحيائه وإماتته .. وتحليله وتحريمه .. وثوابه وعقابه وفي كل ما يخلق .. وفي كل ما يقدر .. وفي كل ما يأمر: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)} [هود: ٥٦].
وأوامر الله التي كلفنا بها نوعان:
أحدها: ما نعرف وجه الحكمة فيه بعقولنا كالصلاة والزكاة والصيام وأكل الطيبات، وجلّ الشريعة من هذا النوع.
الثاني: ما لا نعرف وجه الحكمة فيه كرمي الجمار في الحج، والوضوء من أكل لحم الجزور، ونحو ذلك.
وكما يحسن من الله أن يأمر عباده بالنوع الأول، فكذلك يحسن الأمر منه بالنوع الثاني؛ لأن الطاعة في النوع الأول لا تدل على كمال الانقياد؛ لأحتمال أن المأمور إنما أتى به لما عرف بعقله وجه الحكمة والمصلحة فيه، أما الطاعة في النوع الثاني فإنها تدل على كمال الانقياد ونهاية التسليم.
وإذا كان هذا في الأفعال ففي الأقوال مثله، وهو أن يأمرنا الله أن نتكلم بما نقف على معناه كالآيات، وتارة بما لا نقف على معناه كالحروف المقطعة في أوائل السور.
وإذا ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمراً، فإن كان مطلقاً كان حكمنا كحكمه كترك الأكل متكئاً، وأنه لم ينتقم لنفسه، وأنه لا يصافح النساء في البيعة ونحو ذلك.
وإن تركه لسبب كان حكمنا كحكمه - صلى الله عليه وسلم - حال وجود السبب، فإذا زال السبب زال الحكم ورجع إلى الأصل.