منها تركه - صلى الله عليه وسلم - الفعل المستحب خشية أن يفرض على الأمة، ومنه ترك قيام رمضان جماعة خشية أن يفرض عليهم، فلما زالت الخشية بوفاته وانقطاع الوحي أعاد الصحابة رضي الله عنهم فعلها في المسجد زمن عمر - رضي الله عنه -.
ومنها ترك الفعل المستحب خشية أن يظن البعض أنه واجب، ومنه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ لكل صلاة استحباباً، وقد ترك ذلك يوم فتح مكة لبيان الجواز.
ومنها الترك لأجل المشقة التي تلحق الأمة في الاقتداء بالفعل، ومنه ترك الرمل في الأشواط الأربعة الأخيرة من الطواف، فلم يمنعه من أن يرمل في الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.
ومنها ترك المطلوب خشية من حدوث مفسدة أعظم من بقائه، وهذا من السياسة الشرعية المقررة، كما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - نقض الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن قريشاً حديثو عهد بكفر.
ومنها الترك على سبيل العقوبة كتركه الصلاة على المدين، فلما وسع الله عليه كان يصلي ولا يسأل عن الدين.
ومنها الترك لمانع شرعي كقصة نومه عن صلاة الفجر في السفر، فلم يبادر للقضاء لكون الشمس في أول طلوعها، ويحتمل لأن بالوادي شيطان، ثم تحول بالناس وصلى بهم في مكان آخر.
والله تعالى إذا أمر عبده بأمر وجب عليه أن يعرف حده، وما هو الذي أمر به، ليتمكن بذلك من امتثاله، فإذا عرف ذلك اجتهد واستعان بالله على امتثاله في نفسه وفي غيره بحسب قدرته وإمكانه.
وكذلك إذا نهى عن أمر عرف حده، وما يدخل فيه وما لا يدخل، ثم اجتهد واستعان بالله على تركه.
وينهى الله عزَّ وجلَّ عن الفحشاء، وهو كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع