فالله عزَّ وجلَّ أباح للمؤمنين الطيبات؛ لأنهم ينتفعون بها، ويشكرون الله عليها كما أمرهم ربهم بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)} [البقرة: ١٧٢].
والله عزَّ وجلَّ إذا حرم شيئاً حرم كل شيء يوصل إليه، ويستحيل على الحكيم العليم أن يحرم الشيء ويتوعد على فعله بأعظم أنواع العقوبات، ثم يبيح التوصل إليه بنفسه بأنواع الحيل.
وقد حرم الله على اليهود الشحوم فجملوها وباعوها حيلة، وحرم عليهم صيد السمك يوم السبت فحبسوه يوم السبت وأخذوه يوم الأحد حيلة فعاقبهم الله وجعلهم قردة خاسئين كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥)} [البقرة: ٦٥].
وحرم الله على اليهود طيبات أحلت لهم عقوبة لهم على بغيهم وظلمهم وصدهم عن سبيل الله كما قال سبحانه: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١)} [النساء: ١٦٠، ١٦١].
فهذا كله تحريم عقوبة على اليهود البغاة الظالمين.
أما ما حرمه الله على هذه الأمة من الأشياء فهو صيانة لهم وحماية.
فهو سبحانه أمر عباده بما أمرهم به رحمة منه وإحساناً وإنعاماً عليهم؛ لأن صلاحهم في معاشهم وأبدانهم وأرواحهم بفعل ما أمروا به، فهو بمنزلة الغذاء الذي لا قوام للبدن إلا به بل أعظم، وليس مجرد تكليف وابتلاء كما يظنه كثير من الناس، ونهاهم عما نهاهم عنه صيانة لهم وحمية عما يضرهم.
فلم يأمرهم حاجة منه إليهم وهو الغني الحميد، ولا حرم عليهم ما حرم بخلاً منه عليهم وهو الجواد الكريم.
وما حرمه الله عزَّ وجلَّ نوعان:
الأول: محرم لذاته لا يباح بحال كالمذكور في قوله سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ