وقد أباح الله للناس جميعاً أن يأكلوا مما رزقهم الله في الأرض حلالاً طيباً إلا ما شرع لهم حرمته لمضرته، وحذرهم من عدوهم الشيطان الذي غرَّ أباهم آدم فأوقعه فيما حرم الله فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨)} [البقرة: ١٦٨].
وينادي الله المؤمنين بالصفة التي تربطهم به سبحانه، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع، وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام، ويذكرهم بما رزقهم، فهو وحده الرازق، الذي أحل لهم الطيبات التي تنفعهم وحرم عليهم الخبائث التي تضرهم فيقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)} [البقرة: ١٧٢].
والله عزَّ وجلَّ مالك الملك، ومالك كل موجود؛ لأنه موجده، وقد استخلف الإنسان في هذه الأرض، ومكنه مما ادخره له فيها من أرزاق وأقوات، وقوى وطاقات، على عهد منه وشرط.
ولم يترك له هذا الملك العريض فوضى يصنع فيه الإنسان ما يشاء، كيف شاء.
إنما استخلفه على أن يقوم بالخلافة وفق منهج من استخلفه، وحسب شريعته.
فما وقع منه من عقود وأعمال، وعبادات ومعاملات، ومعاشرات وأخلاق، وفق التعاقد فهو صحيح نافذ، وما وقع منه مخالفاً للعقد فهو باطل موقوف.
فإن أنفذه قوة وقسراً فهو إذن ظلم واعتداء لا يقره الله، ولا يقره المؤمنون بالله.
فالخلق والأمر والحكم في الكون كله لله وحده، والناس كلهم ليس لهم أن يخرجوا عن منهج الله وشريعته؛ لأنهم وكلاء مستخلفون في الأرض بشرط وعهد، ولهم حقوق وعليهم واجبات، وليسوا ملاكاً خالقين لما في أيديهم من أرزاق، ولا مدبرين بملك غيرهم إلا حسب أمره.
ومن بنود هذا العهد أن يقوم التكافل بين المؤمنين بالله، فيكون بعضهم أولياء بعض، وأن ينتفعوا برزق الله الذي أعطاهم كإخوة.