للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للإنسان أن يختار لنفسه غير ما اختاره الله له لأمرين:

أحدهما: أن التحليل والتحريم من خصائص الله الرازق، فمن اختار لنفسه غير ما اختار الله فهو الاعتداء الذي لا يحبه الله، ولا يستقيم معه إيمان.

الثاني: أن الله يحل الطيبات، فلا يحرم أحد على نفسه تلك الطيبات التي بها صلاحه وصلاح الحياة، فإن بصره بنفسه، وبصره بالحياة لن يبلغ بصر الحكيم الخبير الذي أحل هذه الطيبات، وليس هذا من الإيمان: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)} [الأحزاب: ٣٦].

فالإسلام دين العدل والرحمة والعمل، لا يغفل حاجة من حاجات الفطرة البشرية، ولا يكبت كذلك طاقة بناءة من طاقات الإنسان تعمل عملاً نافعاً سوياً، ومن ثم حارب الرهبانية؛ لأنها كبت للفطرة، وتعطيل للطاقة، وتعويق عن إنماء الحياة التي أراد الله لها النماء.

كما نهى عن تحريم الطيبات كلها؛ لأنها من عوامل بناء الحياة ونموها، وتحقيق مراد الله في الحياة.

وزوال الكفر والكبائر، والفواحش والمنكرات يبدأ من العقيدة، من شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

وقد طالت فترة إنشاء لا إله إلا الله في القلوب في العهد المكي حتى بلغت ثلاثة عشر عاماً، وكانت غايتها تعريف الناس بإلههم الحق، وتعبيدهم له، وتطويعهم لأمره.

حتى إذا خلصت نفوسهم لله، وأصبحوا لا يجدون لأنفسهم خيرة إلا ما يختاره الله، عندئذ بدأت التكاليف بما فيها الشعائر التعبدية.

وبدأت كذلك عملية تنقية رواسب الجاهلية الأخلاقية والمالية والاجتماعية، بدأت في الوقت الذي يأمر الله فيطيع العباد بلا جدال، بدأت الأوامر والنواهي بعد الاستسلام لله، بعد أن لم يعد للمسلم في نفسه شيء، بعد أن لم يعد يفكر

<<  <  ج: ص:  >  >>