للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أن يكون له إلى جانب أمر الله رأي أو اختيار.

فلما انحلت العقدة الكبرى عقدة الكفر والشرك انحلت العقد كلها.

ولما انتصر الإسلام على الجاهلية من أول يوم، وذلك بدخول الإيمان في القلوب، لم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر أو نهي، ودخل الناس في السلم كافة بقلوبهم وأرواحهم وجوارحهم.

والعمل بشريعة الله يجب أن يقوم ابتداء على العبودية لله، على الطاعة لله، إظهاراً لكمال العبودية لله سبحانه، وبعد الطاعة يجوز للعقل البشري أن يلتمس حكمة الله بقدر ما يستطيع فيما أمر الله به أو نهى عنه.

فإن عرف الحكمة فذلك من فضل الله، وإن لم يعرف فمقتضى العبودية الطاعة والانقياد والتسليم لله.

والحلال كله طيب .. والحرام كله خبيث .. فلا يستويان أبداً: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠)} [المائدة: ١٠٠].

وإذا كانت كثرة الخبيث تغر وتعجب ففي الطيب متاع بلا معقبات من ندم أو تلف، وبلا عقابيل من ألم أو مرض، وما في الخبيث من لذة إلا وفي الطيب مثلها، بل أحسن منها على اعتدال وأمن من العاقبة في الدنيا والاخرة.

والعقل كلما تخلص من الهوى بمخالطة التقوى له، ومراقبة القلب له، يختار الطيب على الخبيث، فينتهي الأمر إلى الفلاح في الدنيا والآخرة والله سبحانه جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وأكرمها بأفضل الكتب والرسل والشرائع، وأعدها لحمل منهج الله في الأرض، لتستقيم عليه، وتقيم الناس عليه.

وحينئذ تكون ربانية حقاً، وترتفع بشريتها إلى أحسن تقويم.

وعندئذ لا يستوي في ميزانها الخبيث والطيب ولو أعجبها كثرة الخبيث، فترفض الخبيث مع كثرته، وتأخذ الحق ولو جفاه الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>