ولو كان الاحتفال محموداً أو مسنوناً لكان الاحتفال ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزول الوحي بنبوته وبعثته أعلى وأجل، وأعظم وأفضل من مقام ولادته، فالله امتنَّ على المؤمنين بنبوته وبعثته، لا بمجرد ولادته فقال: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (١٦٤)} [آل عمران: ١٦٤].
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - كراهيته الغلو والإطراء بقوله:«لا تُطْرُونِي، كَمَا أطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» أخرجه البخاري (١).
فلا يحل لأحد أن يحتفل بمولده - صلى الله عليه وسلم - ولا ببعثته ولا بهجرته؛ لأن كل ذلك لم يرد عنه، ولا عن أصحابه أنهم فعلوه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)} [النساء: ١١٥].
ومنشأ البدع كلها، وسبب انتشارها، أن البدع لو كانت باطلاً محضاً لما قبلت، ولبادر كل أحد إلى ردها وإنكارها، ولو كانت حقاً محضاً لم تكن بدعة، وكانت موافقة للسنة.
ولكنها تشتمل على حق وباطل، ويلتبس فيها الحق بالباطل، فيغتر بها العامة، وينخدع بها الجهال؛ لأنهم يتأثرون بما فيها من الحق، ويغفلون عن كونها محدثة، وعن الضلال الذي تسببه، فكل مؤمن مثلاً يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويوقره، لكن الاحتفال بذلك في يوم خاص، والغلو في الإطراء والمدح له مذموم نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - كما سبق.
والذين عملوا على نشر البدع فريقان:
الأول: فرقة روجت للبدع من غير علم، غلب عليهم الصلاح، ولم يعتنوا بدراسة الأحاديث والسنن، وغفلوا عن أصول العبادات، فاخترعوا رسوماً